المعمار في اللغة العربية، هو
مهندسٌ يمارس مهنة العمارة، والدقة في ممارسة مهنة العمارة هي معيار لقياس الدقة في مجالات مهنية أخرى، أما
المعمار ((
Architecte )) في اللغة الفرنسية، فأصلها لاتيني وهو ((
Architetus ))فهو الشخص الذي يتصور المباني من كل الأنواع ويزينها ويدير تنفيذها، وأصل
الأصل في اللغة دائماً، هو كلمة يونانية قديمة مركـّبة من كلمتين : “أرخى” أي أول
أو رئيس، و“تكتوس” أي الحرفيين.
فالمعمار
إذاً، هو رئيس الحرفيين البنـّائين، أو هو أولهم، والعمارة هي أول الحِرَف أو
رأسها، يعود ذلك إلى الأزمنة التاريخية الأولى، وقبل نشوء الأكاديميات المتخصصة
بالعمارة وبالفنون في القرن السادس عشر في فرنسا خاصة، وفي الغرب عامة.
هناك مسافة
زمنية كبيرة إذاً، بين من يعتبره البعض أول معمار عرف في التاريخ وهو المعمار
الفرعوني “أمحوتب”، وبين المعمار خريج الأكاديميات التي أنشئت في عصر النهضة في
أوروبا، مثل أكاديمية العمارة التي أنشأها كولبير في باريس عام 1671م، وغيرها من
الأكاديميات.
ورد في مقدمة الصيغة المراجَعَة
لميثاق اليونسكو و الإتحاد الدولي للمعماريين عن "تكوين المعماريين" ما
مفاده : "إن ما يتصوره و ينجزه المعماريون في البيئة المبنية اليوم هو نسبة
متدنية بشكل مستغرب، و هناك إمكانيات في تطوير مهمات جديدة، إذا وعي المعماريون
الحاجات المتزايدة في مجالات لم تكن محل اهتمام كبير من المهنة، لذلك وجب تنويع
ممارسة المهنة و تنويع التكوين النظري و العملي للمعماريين".
أضحت العمارة اليوم في الجزائر
إشكالية واضحة تبرز في المشهد المبني الملوث و المنتشر في مدننا، و تبرز في البناء
العشوائي الممتد بلا ضوابط مدمرا بذلك البيئة الطبيعية و متعديا على
موروثنا الثقافي المكتسب.
إن الإشكالية المطروحة هي
إشكالية أزمة بالدرجة الأولى، أزمة لا تعود إلى النظم الاقتصادية و الاجتماعية فحسب، و لا إلى
الثغرات الموجودة في القوانين و التشريعات و المخططات التنظيمية لمدننا، بل تعود
في جزئها الأكبر إلى وعي الساهرين على القطاع من ممثلي الدولة و مسؤوليها عن قطاع
السكن و العمران، نقص فعالية الهيئات و النقابات المهنية، نوعية الممارسة المهنية
لكل من المعماريين و مخططي المدن و
منظميها و كذا وسائل الرقابة المتعلقة بذلك.
من خلال تجربتي المهنية
المتواضعة، يمكنني القول أن المعماري الجزائري صار اليوم و كأنه نصف تقني ونصف
مثقف و أصبح حقيقة يواجه هاتين الصعوبتين جراء تدني تكوينه الجامعي، البيروقراطية،
التهميش و البطالة أيضا، يحدث هذا تحت ظل الأزمات المتعددة التي عاشتها الجزائر
خلال عقدين متتالين من الزمن، مما أدى بالضرورة إلى إشكالية أخرى أعمق، تتمثل في
كيفية المعالجة و الخروج من المحيط المبني الملوث من جهة؟ و كذا منهجية الارتقاء
بالتكوين الأكاديمي و العلمي للمعماريين و إعدادهم لخوض مسارهم المهني تحت ظل هيئة
قوية ذات كفاءات، همم و قدرات عالية ، أو بعبارة أدق:
أيُ معمارٍ نريد؟ و
أي ممارسة مهنية يمكنها تحقيق ذلك؟.
ها هي تمر ثلاث سنوات و أربعة أشهر، ولم يبقى لعهدة مكتب
مجلسنا المحلي الذي تشرفت برئاسته رفقة أعضائه سوى أشهر معدودة، و إنني لأعبر عن
امتناني و شكري العميق للثقة الموضوعة على عاتقي من قبل السادة أعضاء المكتب،
السيدات و السادة الزميلات و الزملاء المعماريين المعتمدين، السيدات و السادة
المتربصين و المتربصات، كما أشيد بمجهودات كل من السادة: نائبي، العضو الأسبق،
فرحات مهدي، الأمين العام، حماداش توفيق، الأمين العام الأسبق و العضو الحالي،
مامي عماد، أمين المال، تركمان سفيان، العضو، روبحي اعمر و العضو، تركمان سفيان،
سكرتيرة المجلس السيدة بوشنافة، و أقدر فعلا روح الأخوة و الثقة المتبادلة بيننا طيلة كل هاته الفترة.
أغتنم فرصة صدور الطبعة الجديدة للموقع الإلكتروني
الجديد للمجلس المحلي لهيئة المهندسين المعماريين لولاية المدية لأطلب شخصيا من
الجميع ضرورة التآزر و الالتفاف و الوحدة معا بغية النهوض بالمهنة و النظر بعين
العقل و الحكمة على أن تحسين الأداء المعماري و العيش الكريم للمعماري يتطلب منا
جميعا نبذ كل الممارسات المسيئة للمهنة، تحسين الأداء، الصبر الجميل و لبلوغ هذا
المرام يستلزم في القريب العاجل مراجعة و إثراء القوانين و النصوص المسيرة للمهنة،
تعديل قانون الصفقات العمومية و تحيينه بإدراج ضوابط الاستشارة الفنية بداخله و
إعطائها حقها الفعلي، أهمية إعادة النظر في تشكيلة لجان التحكيم و كيفية عملها نظرا لغياب القانون الداخلي
لنمط عمل لجنة التحكيم المكلفة بتقييم خدمات الهندسة المعمارية و الذي من شأنه
ضمان اختيار الجودة المعمارية و فق مقاييس علمية و فنية بحتة، و لن يتأتى هذا إلا
بإعداد مشروع وطني لترقية عمل لجان التحكيم و صياغة مسودة القانون الداخلي لنمط و
كيفية عمل هاته اللجان حتى ترقى إلى تطلعات الجميع.
في الأخير، أرى أنه من مسؤولية الجميع بما فيهم الساهرون
على قطاع السكن و العمران و المدينة، المجلس الوطني لهيئة المهندسين المعماريين،
كافة المجالس المحلية الولائية، إعادة النظر بجدية للعمارة و العمران في الجزائر
برؤية واقعية بانتهاج سياسة وطنية تشاورية سليمة مبنية على قواعد علمية و فنية
تهدف في عمقها إلى تحسين صور مدننا و الرقي بالعمارة و العمران في آن واحد مع
التفكير جديا في إعادة صياغة دفاتر شروط جديدة تضمن مشاركة فكرية واسعة للمستشارين
الفنيين تضمن إنتقاءا نوعيا للعمل المعماري، بعيدا عن كل الممارسات المشينة.
تلكم هي كلمتي لكم، وفقنا الله جميعا لما فيه خير
للمهنة، للعباد و للبلاد. شكرا لكم.